زرت الرياض مؤخر بمعية أبني وكان ضمن قائمة ما اود زيارته الحي الذي عشت فيه أربع سنوات من طفولتي.
استغرقت مني محاولة إيجاد الحي الذي عشت فيه بعض الوقت، شكرا لخرائط جوجل. ساعدني على الوصول للعنوان اسم المسجد الذي كنت أرتاده برفقه اخي احمد لدروس القرآن/ مسجد ابو ذر الغفاري في حي غبيراء. مازال المسجد الصغير في مكانه بل أن الحمامات تبدو كما هي بأبوابها المعدنية.
أوقفنا السيارة بجوار المسجد وتجولنا في الحي سيراً على الأقدام تحت شمس الرياض التي كانت حنونة ذلك اليوم ولم تحاول أن ترهقنا بحراراتها. ربما كان لديها فضول أن ترى ما الذي سيفعله هؤلاء الاثنان.
كنت أود أن أُري أبني البيت الذي عشت فيه والحارة التي سرت في شوارعها. سرنا في الشوارع المجاورة وأنا اتأمل ما استجد وما تغير وأنا اثرثر بحماس لابني عن ما اتذكره من مواقف وقصص واشخاص عرفتهم ايام الطفولة. على الرغم من التغيرات الكبيرة في الرياض إلا أن ذلك الجزء من الحي وإلى حد كبير مازلت ملامحه على ماهي.
بقدر الحماس الذي انتابني خلال السير والحديث مع ابني، انتابتني رهبة ومشاعر غريبة عند رؤية الأماكن والعمارات القديمة التي مازلت احمل ذكرياتها أثناء ذهابي وايابي في الحي.
قرأت ذات مرة عن الوجع الذي قد تسببه "الذكريات الجميلة" وبقدر ما أدركت ذلك من خلال التأثير التي تحدثه فيني مثلا رؤية الصور القديمة لمن أحب. إلا أن الأمر يأخذ تأثيرا آخر عندما تعود بجسدك وحواسك للأماكن القديمة التي سرت فيها. أن تسير وسط اكوام ذكرياتك القديمة، تجربة مميزة ومختلفة. أن تبحث عن أي أثر لنفسك التي كنت يوما.
إن الوقوف مجددا وسط الذكريات القديمة أمر غريب، ففي الوقت الذي تكون فيه شاهدا حاضرا في المكان تشعر في ذات الوقت بجزء منك يتصرف كأنه طرف ثالث محايد يراقب تفاعلاتك مع اللحظة واختبار مواجهة الذكريات والتي قد يكون لها أثر ثقيل، ربما لأنها تذكرك بمقدار كم مر من حياتك.
مازال مطعم التيسير في نفس المكان ولم يعد لسوبر ماركت درعة أي أثر. لم أجد المخبز أيضا. الوجوه تغيرت على مايبدو وديموغرافية الحي أيضا، وجدت المدرسة الابتدائية التي درست بها ولكني أشعر أن المبنى تغير او ربما تم نقلها الى مبنى قريب من الموقع الأصلي.
لسوء المصادفات انه من بين كثير من معالم الحي التي ظلت كما هي، كانت عمارتنا التي سكنا فيها من القلائل التي طالها التغيير بشكل كبير حيث تم دمجها مع عمارات مجاورة لصالح مشروع مستشفى في الحي.
كان لدي منذ سنوات طويلة خاطر مُلح أن أزور البيت القديم الذي عشنا أكثر من اربعة سنوات من طفولتي، كان في مخيلتي أني سأجده وقد تقادمت الأبواب والممرات وكنت أنوي أن أصور مدخل البيت والسلالم وعندما اصل اليه أن أدق بابه لأرى من يسكنه الآن وأحكي له أني سكنت في هذا البيت قبل أكثر من ثلاثين عاما. كان في خاطري أن أري الصور لأبي وأحدثه أني وقفت على باب بيتنا القديم وحدثت الساكنين وأختبر تفاعله مع هذه الذكريات.
و لكن البيت لم يعد هناك وابي لم يعد على قيد الحياة.
إقرأ أيضا
“الالحاد اصبح موضه هذه الايام … هذا ما اسمعه كلما طرحت سؤالا بين الاصدقاء او على الشبكات الاجتماعية ” يقول شاب اخر؟ كل يوم يصطدم عدد متزايد من الشباب والفتيات بكثير من الأفكار الدينية أو الاطروحات الموجودة لتبدأ بعدها دوامة متواصلة من البحث والتساؤلات التي يجر بعضها بعضا والتي لا يجدون لها الاجابات الشافية المقنعة. الأسوء في هذا الجانب هي حالة الوعيد والتهديد سوائا بالتصريح أو التلميح التي يُقابل بها هؤلاء من الذين من حولهم. يتجنب البعض ويكتم اسئلته الى حين. والأسئلة لا تموت حتى وإن دفنت.
مع كل رحيل لصديق يرحل جزء من ذكرياتنا واحلامنا الى الابد. مع كل رحيل تزداد الفراغات اتساعا بين خلايا الروح .. يقتلنا الرحيل المستمر .. الوجوه المتغيره حولنا دوما وباستمرار .. هذا باختصار ماينتجه نزيف الاصدقاء الأبدي في مجتمعاتنا العربية.