صديقتي التي بعينها أرى

من الجيد ان يكون لك صديق أو صديقة تهرب اليه من ضجيج هذا العالم من وقت لاخر. أهرب عادة مع صديقتي واقضي اوقاتا طويلة نتأمل الكون مناحد الزوايا .. نكتشف اماكن جديدة .. نسافر احيانا ونتعرف على البشر احيانااخرى. 

عن صديقتي التي تُريني وأريها، أحملها وتحملني.

عن الكاميرا أتحدث …

تعود بدايات القصة إلى زمن المجلات المطبوعة. أيامها كنتأقضي كثيرا من الوقت في تأمل المحتوى البصري للمجلات لاسيما الصور التي بالأبيض والأسود. بعد تخرجي من الجامعة وبداية عملي في مجال التصميم وتحسن خدمة الإنترنت نسبيا كانت متابعة أعمال المصورين على الإنترنت جزء من الروتين اليومي، حتى ذلك الحين لم أكن امتلك كاميرا .. لم أكن أمتلك قيمتها في بادىء الأمر. 

 

شيئ ما كان يشدني الى الصورة وخصوصا تلك المتعلقة بالبشر. لم أكن أستطيع تعريفه وقتها ..

كانت علاقتي مع الصورة مثل قارئ الشعر النهم الذي لايكتب أي سطر.

قبل ثلاثة عشر عاما اشتريت أول كاميرا وهنا كانت رحلة جديدة .. كانت أيضا رحلة إستكشاف للذات. مع مرور السنوات بدأت اكتشف شيئا فشيا بعض الاجابات حول جاذبية الصورة بالنسبة لي .. لم يكن فقط الجمال أو قوة المشاهد أواللحظات التي اسرتها الصورة. كان شيئا اخر .. الحكايات .. حكايات الصور .

”التصوير هو الحكايات التي فشلت فيوضعها في كلمات“. دستن سباركس

في صغري كان يقال أني لا أتحدث كثيرا .. لكني اجيد الإنصات (ما عدا في حصص المدرسة طبعا).

الحقيقه اني أحب الحكايات .. أعشقها .. ربما هو ذلكالطفل الصغير بداخلي .. ربما هو الفضولي المشتاق للمعرفة .. ربما كليهما معا! 

 

قلت ذات مرة في احدى الفعاليات أنه “لو لم أكن بصريا لتمنيت أن أكون كاتبا” .. تشدني بقوة قوة النصوص لكني لا أستطيع دائما صياغة الكثير مما أريد قوله. في التصوير أستطيع تعويض ذلك بشكل ما.

حكايا الصور أخاذه .. قد تأسرك للأبد .. سواءً تلك المتعلقة بالإنسان أو بالمكان. 

لكل إنسان حكايته الخاصه التي يحكيها من خلال ملامحه، تقاطيعه، تعابيره وملبسه. فضلا عن مساحاته الخاصة كالبيوت وأماكن عمله.

كذلك الشوارع والمدن، الوجه الآخر لحياة الانسان.. 

لكل شارع حكايات .. لكل ميدان وزقاق، الناس الذين مرو من هنا، النوافذ المكسورة التي هناك، الجدران المشققه والابواب العتيقه. ياترى كم من الحكايات مرت من عتبة الباب تلك؟ هل عاد الذين مروا من هنا ام رحلو للأبد؟ 

كم هي العيون التي نظرت من خلف ذلك الزجاج .. كم هي الحكايا التي اختبئت خلف تلك الستائر؟ وكم هي التي جلست على طاولة خشبيه في مقهى قديم مليء بالرطوبة؟

مايميز حكايا الصور أنها لاتقول كل شيء، تحكي الأمر من زاوية واحدة فقط. أحيانا يقوم المصور بإكمال الحكاية بصور أخرى وأحيانا بالنصوص وفي بعض المرات يترك تخيل بقية الحكاية للمشاهد.

تصوير الوجوه - عمق آخر للحكايات

وجوه البشر، تلك المساحة الصغيرة التي تقول الكثير جدا.. في تعابير وجوه الناس قصص مركبه .. أيامهم التي مروا بها .. ضحكاتهم ولحظات الفرح .. لحظات الحزن والشرود .. تعبيراتهم التلقائيه .. نظراتهم عندما يشعرون بالخجل أمام الكاميرا - يا الله كم تشدني هذه اللحظة - ذلك الخجول البسيط داخل كلانسان.

”لا أبدو جيدا في الصور .. أعرف ذلك تماما .. لاتحاول“

كثيرا ماتكون هذه جملة البداية وقت التقاط صورة. أحببت سماعها مع الزمن، أرى فيها دعوة تحدي غالبا. قد يستغرق الأمر العديد من المحاولات للوصول الى نتائج مُرضية .. لكل وجه (بلا إستثناء) زاوية أفضل من غيرها .. وكل زاوية تحكي قصة مختلفة لذات الشخص .. هكذا اؤمن. 

يبدو تصوير الوجوه سهلا خصوصا مع إنتشار التقنيه .. الاأنه ليس كذلك. ليس من السهل أن تنتزع صورة خاصه لوجه ما، صورة يظل جمالها خالداًمهما مرت الأيام. يتطلب الأمر مهارة و قدراً كبيرا من الإحساس.

دفاتر ذكريات

كل إنسان دفتر حكايات مستقل .. يطلب البعض مني التقاط صور لحكاياته أو جزئا منها فقط .. بعضهم لا يريد نشر الصور أبدا. يريد الصور لنفسه فقط، البعض يريد مشاركتها مع اشخاص بعينهم .. والبعض الآخر يريد فقط أن يرى وقع حكايته أمام عين واحده فقط .. عين صديقتي.

 في ما مضى كنت اتسائل عندما اتلقى طلبات تصوير منبعض الذين لّن تُنشر صورهم، ماجدوى صورة لن ترى النور؟

لاحقاً تعرفت على الكثير من القصائد التي لم ترى النورالا صدفة أو بعد زمن طويل من كتابتها .. وكذا حال بعض القصص وكثير من الأعمال الفنيه.

ما ادركته مع الزمن هو أن لكل لعمل فني لحظة جمال أثناء الأداء أو التنفيذ بغض النظر عن النتيجه النهائيه وبغض النظر عن نشر العمل من عدمه.

مؤخرا صارت جلسة التصوير بالنسبه لي أقرب لطقس روحي ..حالة من الروحانيه والهدوء والكثير الكثير من الحوارات.

 

شكرا صديقتي .. بعينك رأيت الكثير وتعرفت على الكثيرين.

عودة لقائمة التدوينات

إقرأ أيضا

الحيارى اقرب الى الله

“الالحاد اصبح موضه هذه الايام … هذا ما اسمعه كلما طرحت سؤالا بين الاصدقاء او على الشبكات الاجتماعية ” يقول شاب اخر؟ كل يوم يصطدم عدد متزايد من الشباب والفتيات بكثير من الأفكار الدينية أو الاطروحات الموجودة لتبدأ بعدها دوامة متواصلة من البحث والتساؤلات التي يجر بعضها بعضا والتي لا يجدون لها الاجابات الشافية المقنعة. الأسوء في هذا الجانب هي حالة الوعيد والتهديد سوائا بالتصريح أو التلميح التي يُقابل بها هؤلاء من الذين من حولهم. يتجنب البعض ويكتم اسئلته الى حين. والأسئلة لا تموت حتى وإن دفنت.

عن أولئك الذين لا يشبهوننا

نتحدث كثيرا عن الإختلاف والتنوع بينما نميل دائماً إلى من يشترك معنا في كثير من الأفكار والمعتقدات. نبحث لا شعوريا عن من يشبهنا، عن صورتنا المكررة أمام المراة. على الرغم من أننا ننتقدها أحيانا أخرى وبشدة.ينادي الانسان العصري بحرية التعبير والحوار لكنه لا شعوريا ينفر من ذلك الذي لا يتفق معه و يخالفه رأيا يعتبره ثابتا، "ذلك الوغد يتجاوز كل الخطوط الحمراء" ربما يقول في نفسه.