عندما يرحل الاصدقاء

مع كل رحيل لصديق يرحل جزء من ذكرياتنا واحلامنا الى الابد. مع كل رحيل تزداد الفراغات اتساعا بين خلايا الروح .. يقتلنا الرحيل المستمر ..  الوجوه المتغيره حولنا دوما وباستمرار .. هذا باختصار ماينتجه نزيف الاصدقاء الأبدي في مجتمعاتنا العربية.


في المجتمعات المظطربة بشكل عام وغير المستقرة يعاني المرء من الرحيل المستمر تارة عندما يرحل اصدقاؤنا عنا وتارة اخرى عندما نرحل بأنفسنا عنهم

مع كل رحيل من حولي اتذكر قول الشاعر عمرو بن معديكرب

ذهــب الذيــن أحـبـهـم وبقـيـت مثل السيف فردا


اتذكر طفولتي المتنقلة بين مصر واليمن والسعودية بسبب تغير عمل والدي
اتذكر اني درست الصف الاول في ثلاث مدارس في ثلاث دول وهذه كانت البداية فقط .. لان الرحيل لم يتوقف بعدها. في السعودية كانت المدرسة عبارة خليط من كل الارض العربية (مصر، السودان، اليمن، الاردن، سوريا، فلسطين) كان اغلب الطلاب في محطات عبور مرتبطين بظروف عمل اهلهم. في لحظة معينة عليهم ان يرتبوا شنطهم ليرحلوا وقد حدث هذا مرارا اثناء الدراسة الابتدائية.

قد يختفي احد الاصدقاء فجأة في نهاية العام ولا يظهر في العام القادم ، واحيانا يختفون فجأة في منتصف العام .. فجأة تجد طاولة في الفصل فارغة لايام لا يلبث ان يحتلها زميل من الصف رغبة في تغيير مكانه.
كان هذا يحدث مع الجميع بسابق انذار او دون اي انذار .. وجوه تختفي واخرى تظهر الى مالانهاية.  

عندما عدت مع عائلتي الى اليمن لم يتغير الحال كثيرا وخصوصا بعد حرب ٩٤ الاهلية.
اتذكر كثيرامن الوجوه التي اختفت الى الأبد من المدرسة الاعدادية وصارت مجرد ذكريات ..

وهكذا في كثير من المجتمعات العربية .. رحيل يتلوه اخر

مالذي يدفع شجره ان تنتزع جذورها حاملة اوراقها معها الى وطن اخر ؟
من المواقف الصادمه لي والتي صادفتها بعد الدراسة الجامعية (قد تبدو الان طبيعية للبعض) عندما قررت عائلة احد الاصدقاء الهجرة الجماعية الى كندا. هاجرت العائلة بأكملها (الجد وابنائه والاحفاد الذين كانو زملائي في المدرسة). اتذكر ذلك الشعور الحزين الذي شعرته والتساؤل الذي دار في خلدي وقتها؟ هل سأراهم مجددا ؟ كنت اتسائل بسذاجة مالذي يدفع ثلاثة اجيال للذهاب بلارجعة؟ وكان السؤال ايضا مالذي يدفع رجلا مسنا ان يقود زورق عائلته في رحلة ابدية بلاعودة.

على مدى سنوات العمل ما بعد الجامعة صار من الاشياء عادية الحدوث هو سفر من تبقى من الاصدقاء او اؤلئك الاصدقاء الجدد الى الخارج وبلاعودة بحسب النظام. حتى بعض من يعودون للوطن بعد الدراسة وهم قلة يعودون ليرحلوا مجددا في الغالب ولكن بلارجعة هذه المرة . الكل يريد القفز من المراكب الغارقة ولا يمكنك ان تلوم احدا.


رحيل الاصدقاء مضني يجعلنا غرباء من جديد .. يجعلنا تائهون في هذه الحياة..

ورحيلنا عن اصدقائنا لا يقل عناءا عن ذلك ابدا ..

يوما بعد يوم اعي جيدا اننا عندما نرحل عن من حولنا فنحن ايضا نرحل عن انفسنا وعن ذواتنا التي عرفناها طويلا وهذا اكثر قسوة واكثر الما بالعادة .. انه جرح في الذاكرة والعاطفة معا ويحتاج الى سنوات طويلة ليشفى لكن لن يختفي اثره ابدا مهما حاولنا ..

عودة لقائمة التدوينات

إقرأ أيضا

الحيارى اقرب الى الله

“الالحاد اصبح موضه هذه الايام … هذا ما اسمعه كلما طرحت سؤالا بين الاصدقاء او على الشبكات الاجتماعية ” يقول شاب اخر؟ كل يوم يصطدم عدد متزايد من الشباب والفتيات بكثير من الأفكار الدينية أو الاطروحات الموجودة لتبدأ بعدها دوامة متواصلة من البحث والتساؤلات التي يجر بعضها بعضا والتي لا يجدون لها الاجابات الشافية المقنعة. الأسوء في هذا الجانب هي حالة الوعيد والتهديد سوائا بالتصريح أو التلميح التي يُقابل بها هؤلاء من الذين من حولهم. يتجنب البعض ويكتم اسئلته الى حين. والأسئلة لا تموت حتى وإن دفنت.

صديقتي التي بعينها أرى

من الجيد ان يكون لك صديق أو صديقة تهرب اليه من ضجيج هذا العالم من وقت لاخر. أهرب عادة مع صديقتي واقضي اوقاتا طويلة نتأمل الكون مناحد الزوايا .. نكتشف اماكن جديدة .. نسافر احيانا ونتعرف على البشر احيانا اخرى. عن صديقتي التي تُريني وأريها، أحملها وتحملني.