نتحدث كثيرا عن الإختلاف والتنوع بينما نميل دائماً إلى من يشترك معنا في كثير من الأفكار والمعتقدات. نبحث لا شعوريا عن من يشبهنا، عن صورتنا المكررة أمام المراة. على الرغم من أننا ننتقدها أحيانا أخرى وبشدة.
ينادي الانسان العصري بحرية التعبير والحوار لكنه لا شعوريا ينفر من ذلك الذي لا يتفق معه و يخالفه رأيا يعتبره ثابتا، "ذلك الوغد يتجاوز كل الخطوط الحمراء" ربما يقول في نفسه.
لطالما شدني اولئك الاخرون المتميزون في أفكارهم وربما عاداتهم حتى وإن كانت غريبة في بعض الأحيان.
اقصد تحديدا اولئك الغرباء الهاربين من دائرة الضوء. الانطوائيون المحاطون بهالة من الغموض ليس حبا في الغموض ذاته وانما حرصا على مساحاتهم الخاصة من ان تٌبعثر من قبل كل من هب ودب. اولئك الموهوبون ذوي الصوت المنخفض. المثقفون الذين لايميلون للظهور. المبدعون الذين لايطيقون الضوضاء والضجيج. المتأملون بعمق وتفصيل لما حولهم، واللامبالين بنظرات الاخرين نحوهم وتقييماتهم الظاهرية أو السطحية لهم.
مايجذبني حقيقة ليست حالة من الفضول المجرد وانما هي هي حالة من البحث عن ماهو جديد خارج اطار المألوف والمعاش. حالة من الشوق للبحث عميقا في معنى الاشياء في ماوراء التعاريف التقليدية. هي رغبة واحتياج حقيقي للاستكشاف والتعلم من خلال المشاهدة والسماع في ان واحد.
لقد صنعت لنا مجتمعات الاستهلاك وادواتها الاعلامية ذات التأثير (الجمعي) نسخ متشابهه من البشر، في السلوك والافكار والكثير من التصرفات، لكن البعض القليل حافظوا على ملكة خاصة للتمييز والاختيار بعيدا عن التيار وربما ضده. لهؤلاء البعض وغالبا نتيجة ظروف معينة القدرة على صنع مسارات خاصة لهم في الحياة بشكل يختلف كثيرا عن التعريفات التقليدية. لكل من هؤلاء زاوية مختلفة لرؤية الحياة، يشاهد منها ما لايراه الاخرون
في الطرف المظلم يوجد الكثير من مايمكن تعلمه
بشكل عام يميل الناس الى اولئك الذين يمنحونهم السعادة والامل، لكن بعض هؤلاء الغرباء على العكس تماما. بعضهم يمضي في طريق الاحزان والتعاسة احيانا بشكل غير مفهوم وغريب أحيانا! غير مفهوم من وجهة النظر التقليدية طبعا ... قد يبدو ذلك جنونا احيانا وقد يبدو مبالغة قاسية احيانا اخرى! لكن من يرى الامور بشكل مختلف له دوما اسبابه وفلسفته الخاصة وسوائا اتفقنا ام اختلفنا معها فان في الاطراف المظلمة الكثير من ما يمكن تعلمه. اليست حقيقة ان ادراك الانسان معنى الالم وماهيته يساعده على توصيف وفهم السعادة او ربما يساعده ذلك على ايجاد تعريفات اكثر نضجا للسعادة وهذا فقط على سبيل المثال.
لقد صنع لنا الكثير من الابداع اناس بدو في حياتهم في غاية التعاسة والبؤس، استطيع ان تذكر فان جوخ على سبيل المثال ذلك الفنان المثير للجدل. ففي الوقت الذي يختلف النقاد حول تفسير شخصيته وسلامته النفسية يتفقون بالاجماع على عبقريته كفنان!
ان التعلم من هؤلاء لايقتضي ان نكون مثلهم، لكن يقتضي ان نفهمهم .. وسوائا كانت هذه الشخصيات ذات نظرة ايجابية أو سلبية الا تبدو عملية قراءة مذكرات هذه الشخصيات الإستثنائية عادة عملية مشوقة؟ كيف هو الأمر اذا استطعنا ان نعيش بالقرب منها وهي في طور التكوين؟ ان نعيش فصولها او ان نكون جزئا منها. اليس هذا مايحدث عندما نقترب من أحد اولئك الغرباء الذين لا يشبهوننا؟
إقرأ أيضا
“الالحاد اصبح موضه هذه الايام … هذا ما اسمعه كلما طرحت سؤالا بين الاصدقاء او على الشبكات الاجتماعية ” يقول شاب اخر؟ كل يوم يصطدم عدد متزايد من الشباب والفتيات بكثير من الأفكار الدينية أو الاطروحات الموجودة لتبدأ بعدها دوامة متواصلة من البحث والتساؤلات التي يجر بعضها بعضا والتي لا يجدون لها الاجابات الشافية المقنعة. الأسوء في هذا الجانب هي حالة الوعيد والتهديد سوائا بالتصريح أو التلميح التي يُقابل بها هؤلاء من الذين من حولهم. يتجنب البعض ويكتم اسئلته الى حين. والأسئلة لا تموت حتى وإن دفنت.
مع كل رحيل لصديق يرحل جزء من ذكرياتنا واحلامنا الى الابد. مع كل رحيل تزداد الفراغات اتساعا بين خلايا الروح .. يقتلنا الرحيل المستمر .. الوجوه المتغيره حولنا دوما وباستمرار .. هذا باختصار ماينتجه نزيف الاصدقاء الأبدي في مجتمعاتنا العربية.